eng
competition

Text Practice Mode

البداية والنهاية : قصتي الخضر وإلياس -٣

created Dec 24th 2017, 09:15 by WhiteBird


0


Rating

1965 words
1 completed
00:00
وروى الحافظ ابن عساكر ، عن الثوري ، عن عبد الله بن المحرر ، عن يزيد بن الأصم ، عن علي بن أبي طالب ، قال : دخلت الطواف في بعض الليل ، فإذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة ، وهو يقول : يا من لا يمنعه سمع عن سمع ، ويا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين ، ولا مسألة السائلين ، ارزقني برد عفوك ، وحلاوة رحمتك . قال : فقلت : أعد علي ما قلت . فقال لي : أوسمعته؟ قلت : نعم . فقال لي : والذي نفس الخضر بيده - قال : وكان هو الخضر - لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة; إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ، وورق الشجر ، وعدد النجوم; لغفرها الله له . وهذا ضعيف من جهة عبد الله بن المحرر; فإنه متروك الحديث ، ويزيد بن الأصم لم يدرك عليا . ومثل هذا لا يصح . والله أعلم . وقد رواه أبو [ ص: ٢٦٠ ] إسماعيل الترمذي : حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن محفوظ بن عبد الله الحضرمي ، عن محمد بن يحيى ، قال : بينما علي بن أبي طالب يطوف بالكعبة ، إذا هو برجل متعلق بأستار الكعبة ، وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا يغلطه السائلون ، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة رحمتك . قال : فقال له علي : يا عبد الله ، أعد دعاءك هذا . قال : وقد سمعته؟ قال : نعم . قال : فادع به في دبر كل صلاة ، فوالذي نفس الخضر بيده ، لو كانت عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها ، وحصباء الأرض وترابها ، لغفر لك أسرع من طرفة عين . وهذا أيضا منقطع وفي إسناده من لا يعرف . والله أعلم .  
 
وقد أورده ابن الجوزي ، من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا : حدثنا يعقوب بن يوسف ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، فذكر نحوه . ثم قال : وهذا إسناد مجهول منقطع ، وليس فيه ما يدل على أن الرجل الخضر .  
 
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر : أنبأنا أبو القاسم بن الحصين ، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد ، أنبأنا أبو إسحاق المزكي ، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن أحمد بن زيد ، أمله علينا بعبادان ، أنبأنا عمرو بن عاصم ، حدثنا الحسن بن رزين ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن [ ص: ٢٦١ ] ابن عباس - قال : ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال : يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله ، لا يصرف الشر إلا الله ، ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله قال : وقال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات ، آمنه الله من الغرق ، والحرق ، والسرق . قال : وأحسبه قال : ومن الشيطان ، والسلطان ، والحية ، والعقرب .  
 
قال الدارقطني في " الأفراد " : هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يحدث به غير هذا الشيخ عنه . يعني الحسن بن رزين هذا . وقد روى عنه محمد بن كثير العبدي أيضا ، ومع هذا قال فيه الحافظ أبو أحمد ابن عدي : ليس بالمعروف . وقال الحافظ أبو جعفر العقيلي : مجهول ، وحديثه غير محفوظ . وقال أبو الحسين ابن المنادي : هو حديث واه ، بالحسن بن رزين .  
 
وقد روى ابن عساكر نحوه من طريق علي بن الحسن الجهضمي ، وهو كذاب ، عن ضمرة بن حبيب المقدسي ، عن أبيه ، عن العلاء بن زياد [ ص: ٢٦٢ ] القشيري ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب مرفوعا ، قال : يجتمع كل يوم عرفة بعرفات جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، والخضر . وذكر حديثا طويلا موضوعا تركنا إيراده قصدا . ولله الحمد .  
 
وروى ابن عساكر ، من طريق هشام بن خالد ، عن الحسن بن يحيى الخشني ، عن ابن أبي رواد ، قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ، ويحجان في كل سنة ، ويشربان من ماء زمزم شربة واحدة تكفيهما إلى مثلها من قابل .  
 
وروى ابن عساكر أن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، باني جامع دمشق ، أحب أن يتعبد ليلة في المسجد فأمر القومة أن يخلوه له ، ففعلوا ، فلما كان من الليل ، جاء من باب الساعات ، فدخل الجامع ، فإذا رجل قائم يصلي فيما بينه وبين باب الخضراء ، فقال للقومة : ألم آمركم أن تخلوه؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا الخضر يجيء كل ليلة يصلي هاهنا .  
 
وقال ابن عساكر أيضا : أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنبأنا أبو [ ص: ٢٦٣ ] بكر ابن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل ، أنبأنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب - هو ابن سفيان - الفسوي ، حدثني محمد بن عبد العزيز ، حدثنا ضمرة ، عن السري بن يحيى ، عن رياح بن عبيدة ، قال : رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فقلت في نفسي : إن هذا الرجل جاف . قال : فلما انصرف من الصلاة ، قلت : من الرجل الذي كان معتمدا على يدك آنفا؟ قال : وهل رأيته يا رياح؟ قلت : نعم . قال : ما أحسبك إلا رجلا صالحا . ذاك أخي الخضر ، بشرني أني سألي وأعدل . قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : الرملي مجروح عند العلماء . وقد قدح أبو الحسين بن المنادي في ضمرة ، والسري ، ورياح . ثم أورد من طرق أخرى ، عن عمر بن عبد العزيز ، أنه اجتمع بالخضر . وضعفها كلها . وروى ابن عساكر أيضا ، أنه اجتمع بإبراهيم التيمي ، وبسفيان بن عيينة ، وجماعة يطول ذكرهم .  
 
وهذه الروايات والحكايات ، هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم . وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا ، لا يقوم بمثلها حجة في [ ص: ٢٦٤ ] الدين . والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الإسناد ، وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم; من صحابي أو غيره; لأنه يجوز عليه الخطأ . والله أعلم .  
 
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا سعيد ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا عن الدجال ، فقال فيما يحدثنا : يأتي الدجال ، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل ، هو خير الناس ، أو من خيرهم ، فيقول : أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه . فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته ، أتشكون في الأمر؟ فيقولون : لا . فيقتله ثم يحييه ، فيقول حين يحيى : والله ما كنت أشد بصيرة فيك مني الآن قال فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه قال معمر : بلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس ، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ، ثم يحييه . وهذا الحديث مخرج في " الصحيحين " من حديث الزهري به . وقال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، الفقيه الراوي عن مسلم : الصحيح أن يقال : إن هذا الرجل الخضر . وقول معمر وغيره : بلغني . ليس فيه حجة وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث : فيأتي بشاب ممتلئ شبابا فيقتله وقوله : " الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " . لا يقتضي المشافهة ، [ ص: ٢٦٥ ] بل يكفي التواتر .  
 
وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي ، رحمه الله في كتابه : " عجالة المنتظر ، في شرح حالة الخضر " للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات ، فبين أنها موضوعات ، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها ، وجهالة رجالها ، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد .  
 
وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات ، ومنهم البخاري ، وإبراهيم الحربي ، وأبو الحسين ابن المنادي ، والشيخ أبو الفرج بن الجوزي ، وقد انتصر لذلك وألف فيه كتابا سماه : " عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر " فيحتج لهم بأشياء كثيرة; منها ، قوله تعالى : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد [ الأنبياء : ٣٤ ] . فالخضر ، إن كان بشرا ، فقد دخل في هذا العموم لا محالة ، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح ، والأصل عدمه حتى يثبت ، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله . ومنها أن الله تعالى قال : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين [ آل عمران : ٨١ ] . قال ابن عباس : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق : لئن بعث [ ص: ٢٦٦ ] محمد ، وهو حي ، ليؤمنن به ولينصرنه . وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق : لئن بعث محمد وهم أحياء; ليؤمنن به ولينصرنه . ذكره البخاري عنه . فالخضر إن كان نبيا أو وليا فقد دخل في هذا الميثاق ، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم; لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه ، يؤمن بما أنزل الله عليه وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه; لأنه إن كان وليا; فالصديق أفضل منه ، وإن كان نبيا; فموسى أفضل منه .  
 
وقد روى الإمام أحمد في " مسنده " : حدثنا سريج بن النعمان ، حدثنا هشيم ، أنبأنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : والذي نفسي بيده ، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة ، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة; أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكانوا كلهم أتباعا له ، وتحت أوامره ، وفي عموم شرعه ، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الإسراء ، رفع فوقهم كلهم ، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس ، وحانت الصلاة; أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم ، فصلى بهم في محل ولايتهم ، ودار إقامتهم ، فدل على أنه الإمام الأعظم ، والرسول الخاتم المبجل المقدم ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل مؤمن - علم أنه لو كان الخضر [ ص: ٢٦٧ ] حيا ، لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وممن يقتدي بشرعه ، لا يسعه إلا ذلك . هذا عيسى بن مريم ، عليه السلام ، إذا نزل في آخر الزمان ، يحكم بهذه الشريعة المطهرة ، لا يخرج منها ، ولا يحيد عنها ، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين ، وخاتم أنبياء بني إسرائيل . والمعلوم أن الخضر ، لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه ، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد ، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد ، وهذا يوم بدر ، يقول الصادق المصدوق ، فيما دعا به لربه ، عز وجل ، واستنصره ، واستفتحه ، على من كفره : اللهم إن تهلك هذه العصابة ، لا تعبد بعدها في الأرض ، وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ ، وسادة الملائكة ، حتى جبريل ، عليه السلام ، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له ، في بيت يقال : إنه أفخر بيت قالته العرب :  
 
 
وببئر بدر إذ يرد وجوههم     جبريل تحت لوائنا ومحمد  
فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته ، وأعظم غزواته .  
 

saving score / loading statistics ...